المؤتمر الشعبي العام - فرع السودان
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

كلما وثبت نحو السماء»الأربعاء - 7 - يناير - 2009 -

اذهب الى الأسفل

كلما وثبت نحو السماء»الأربعاء - 7 - يناير - 2009 - Empty كلما وثبت نحو السماء»الأربعاء - 7 - يناير - 2009 -

مُساهمة  master الأربعاء يناير 07, 2009 9:17 pm


كلما وثبت نحو السماء»

الأربعاء - 7 - يناير - 2009 -




يميل معظم الكتاب إلى الاهتمام بالعلاقة بين شخوص الرواية أو القصة التي يكتبونها كما هي في الواقع وهم بذلك يجسدون المبدأ الأدبي المعروف «الإيهام بالواقعية» أي إعادة صياغة علاقة هي أصلاً موجودة في الواقع ولا حصر لمن ساروا على هذا النهج منتقدين سواه.
في مجموعتها القصصية الأولى «قلبك يا صديقي» لم تقترب نجلاء العمري من هذا التوجه بمعنى أنها لم تعد صياغة علاقة الواقع بل قامت بخلق هذه العلاقة الإنسانية الحميمة بين شخوص مجموعتها فمحور قصتها الأولى «أحلام باهظة جداً» هو ذاك الشخص الحالم بسخرية والذي يصنع لذاته عالماً ثم لا يجد منه شيئاً وتربطه علاقة مخفية لا ترى بسهولة مع محور قصتها الأخيرة «إنني أموت» فالشخصيتان تمتلكان ذات الروح الساخرة وإن كان بطريقته إلا أنهما تلتقيان في محور واحد هو التركيز على هزيمة الواقع بصنع الخيال وجعله أسلوب حياة يومية.
هذه الروابط العميقة بين شحوص المجموعة نخلق شعور، أنك تتنقل في منزل واحد تربط ساكنيه علاقة لا انفصام لها.
كما أنها تركز في مسألة أدبية مهمة هي المفارقات المتعددة: أم تخشى على أطفالها من أبسط المخاوف وأم تجعلهم يذهبون إلى أماكن بعيدة في القسوة والمسافة، والمفارقات في الشخصية ذاتها فمحور قصتها الأولى ذلك الحالم يعيش في عالم غاية في البؤس إلا أنه يلجأ إلى الأسلوب الساحر الذي يعتمد على المبالغات المدهشة الجذابة الموحية بالضحك ويقوم بالدمج بين المأساة والملهاة للوصول إلى هدف معين:
وأجبت مليون لا يساوي شيئاً عندي إنه ملاليم، ضحكت من نفسي وأنا أقلب جيوبي الخالية حتى من عشرة ريالات وفتحت عيني حتى آخرهما أنظر إلى المليون وهو مبعثر أمامي.. أعتقد أني سأكون أكثر سعادة لو حصلت الآن على خمسمائة ريال مثلاً تخولني الذهاب إلى أقرب مطعم متسخ بجوار حجرتي المتسخة هي أيضا وأشتري نفر رز وربع دجاجة ساخنة مع قليل من السحاوق وبعض الأرغفة متعة لحظية رائعة لا تكلفك الكثير وبال خال ومساحة أكبر لاجترار الحلم والبحث عن حياة رائعة وسعيدة .. قم يا عزيزي فالسعادة تكمن قلبك..!!
- وقد أجادت المؤلفة في استثمار مستويات اللغة المتعددة فأحيانا تأتي العبارة رصينة متماسكة «كان هادئاً وحزيناً ،غير أن حزنه لا يشدك إليه، كان يبدو لي منطفئ القلب..
وأحيانا تأتي بألفاظ محكية بسيطة ولكنها فصيحة ودالة «أخذت أصرخ: يا ناس ، أنا كبيرة.. فلا تصلني سوى القهقهة والمناغاة المثيرة للاشمئزاز فأضج حينها بالبكاء كالأطفال وأرفع صوتي بالنحيب».
ومعروف أن التلاعب بمستويات اللغة في ذات الحدث يعد سعياً إلى تأسيس ذائقة جديدة أو وعي جمالي جديد أو لنقل انتقال الفن القصصي من مرحلة البساطة والتقليد إلى مرحلة النضج الفني واللغوي.
وبوضوح يظهر التطابق بين السارد والكاتب مما يجعل القصة قصة ترجمة ذاتية مع التركيز على وجود حيوات أخرى كثيرة وعدم نمو السارد أو انتقاله من موقف إلى موقف والاهتمام بالدرجة الأولى بتصوير المناخ الذي نشأ به السارد ولكن كل هذا لا ينفي أن العنصر الذاتي بارز وطاغ من البداية وحتى النهاية على نحو يذكر بالعلاقة بين الأنا والقصيدة في الشعر خاصة وأن نجلاء العمري قد جعلت الشعر طريقها للقصة فمجموعتها لقاء ودي بين ركني الأدب الشعر والقصة وهو اجتماع يحمل صاحبه مسئولية التحكم في ضبط هذه العلاقة وكبح أي منها عندما تحاول السطو على رديفاتها والتحكم في سير الحدث وسير اللغة.
فالسارد «الكاتب» يعرف ما حدث وما سيحدث وما دار وما سيدور وهو يلخص ويكثف وينشئ ويشعر ويسترسل ويتلاعب بالكلمات والضمائر وجميعها أمور تفرض الإلمام باللغة.
أما بالنسبة للصور الاستعارية فيمكن الشعور بتوقف الزمن داخل القصة وهو ما يحدث في كثير من الأحيان من خلال الانحرافات المتكررة والانفتاح على الزمن الماضي «ماضي الشخصيات» والتاريخ الواقعي، والوصف الممتد والاستغراق في التفاصيل والنمو الاستعاري الشعري والحوار الرمزي الافتراضي وهذا كله جعل شخوص القصة مجرد أطياف فنحن لا نعرف عنها شيئاً لا ماضيها ولا علاقاتها ولا حتى أسماءها.
إنها شخصيات يمكن لها أن تخلق هذه اللحظة شبيهة بأولئك الذين نلتقيهم صدفة نستمع إليهم نتركهم يتحدثون يبوحون بآلامهم وأحلامهم وعذاباتهم دون أن نسمح لأنفسنا بمجرد طرح سؤال التعريف بهم عفواً من أنت؟ أو ما اسمك؟ لقد جعلت نجلاء الهوية آخر اهتمامها، إننا لن نستنتج ما يخدم القصة لو عرفنا اسم شخصيتها فلا فرق أن اسم الباحث عن قوت يومه أحمد أو سامي فجميعهم أبناء للواقع والمناخ المشترك خلافاً لذلك لو أن اسم أحدهم «وليم» والآخر أحمد فالأول ينقل العمل من المناخ المشترك بينه وبين أحمد ليعطي نتيجة مفادها أنه لا ينتمي إلى مكان الحدوث أو الاستعانة بذكر اسم المكان كما في «رسالة كتبت ذات غربة» والمكان يتصدر: القطار الذي سيحملك إلى ما نهاتن.
وهي كلمة تنقل خيال المتلقي إلى البعيد ذلك المكان الذي يتحمل حدوث كل شيء وقبوله دون جدال ونشعر بالعودة منه والذهاب وهكذا في نقلات سريعة يعيشه شخص القصة ويحسها القارىء بقوة.
وبغزارة استخدمت التشبيهات بأنواعها وجاءت بصورة مباشرة واستترت أحياناً ليخلق ذلك تنوعاً بلاغياً ونأخذ «من قلبك يا صديقي» وهو ذاته ما اختير عنواناً للمجموعة القصصية ليؤكد لنا أن الشعر يمسك بالكاتبة مثلما أمسك باللغة العربية منذ أصبحت سبيلاً للتخاطب ولا مبالغة إن قلنا أن الشعر هو أصل اللغة العربية بعد كتاب الله أما القصة فهي الفن الحديث الذي لا يزال قيد الإنشاء وجميل أن تكون القصيدة إحدى مواد البناء لصرح القصة وللعودة إلى التشبيهات نختار:
أيها الصديق الفارع الروح كنخلة.. إن جعل الصديق ومنادته وذكر النخلة فيه نوع من البرمجة والنداء لتكن روحك مثل نخلة نرميها فيكون ردها رطباً.. والشعر يقول: كن كالنخيل على الأحقاد مرتفعاً .. الخ وهي بيت شعري.
- رافقنا منذ الصغر ونستخدمه كلما حاول الحقد أن يثنينا - ولم تكتفى بذكر نخلة، بل أضافت رائعة الانعتاق وبتواضع أقول أنني لم أدرك المعنى جيداً لكنه يحمل دلالة سامية لوضعه في هذا المكان.
وتكمل بعد ذلك :«آراك كلما وثبت نحو السماء» ومعنى الوثوب من أعلى إلى أسفل ولا يمكن أن يكون العكس وإن كنت مصيباً فروحك أعلى حتى من السماء ما يمكنك من الوثوب إليها من علياك وهو عدم اعتراف بأن السماء هي المنتهى فهناك ما هو أعلى من مدى النظر ولهذا علاقة ربما إيمانية قادمة من يقين داخلي يراه من يسعى إليه.
وتتم:«تلألأت نوراً كقطعة سحاب نسجتها كف الشمس أراك مستغرقاً في الصمت.. تغرق مد البصر في أسفار لا متناهية وحينما يطول بك الاستغراق تزفر كالنواح تغمغم باستغفار طويل وتحتضن جبينك بكفك.. تسنده مخافه أن ينحني تضمه خشية أن يتشقق .. تفعل ذلك وأنت شامخ الروح.. شامخ الزفرات.
لم يكن للزفرات معنى.. ماء الجير لا يتعكر من دون سبب.. والعشاق لا يموتون على القبور هباء، الزفرة تتشكل بالحزن وثاني أكسيد الكربون يصفح وجه ماء الجير والعشاق في قبر كل منهم حبيبة ماتت على غير عهد» ومن خلال هذا المقطع يبرز الكم الكبير من تسخير التشبيهات لإيصال سيل أفكار ومشاعر ولو أردنا تفصيل ذلك لتطلب منا إلى مساحات أكبر وأوسع لمحاولة الوصول إلى بعض من ما تريده المؤلفة التي سخرت كل ما استفادته من حياة عاشتها هي أو قرأتها في عيون الآخرين أو كتبهم وضمته في إصدارها الذي لا أعرف ترتيبه «قلبك يا صديقي» والصادر عن دار وجوه للنشر والتوزيع - المملكة العربية السعودية وما أعرفه أنه لا يمكن أن يكون الأول فقد تحاشى الأشواك التي ترافق الإصدارات أو التجارب الأولى لأي أديب أو أديبة - وحتى لا يفوت ذكر أن المجموعة تنفي ما يعرف بوجود أدب نسائي وأدب ذكوري ويؤكد وجود أدب إنساني فقط فكل القصص تتحدث عن إنسان وعندما يأتي دور المرأة فإنها تدخل المشهد كإنسانة تحظى بألم أكثر- إنني أحس بتقزم الرأي الذي يصف الأدب كما يصف الأقمشة نسائي رجالي هناك شيء مشترك في هذه المجموعة.

master
Admin
Admin

عدد المساهمات : 902
تاريخ التسجيل : 29/10/2008
العمر : 44

https://alkheel.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى